الكساد الكبير
- منى الوشيقري
- Oct 29, 2016
- 3 min read

في مثل هذا اليوم ( 29 آكتوبر ) وقبل 87 عامًا حدثت أزمة اقتصادية عظيمة هزّت العالم كله!
الكساد الكبير أو ما يعرف بـ The Great Depression هو أسوأ كارثة اقتصادية عالمية عرفها التاريخ ، وقد حدث خلال فترة الثلاثينيات من القرن الماضي تحديدًا في 29 من اكتوبر عام 1929م. واعتبر بمثابة طوفان مدمّر أتى بتغييرات جذرية عظيمة! إذ نقل الولايات المتحدة من أكبر عقد زمني للإزدهار الاقتصادي إلى عقد زمني آخر من الكآبة والفقر والبؤس، مثلما حدث لدول أخرى ، حتى إن البعض وصفه بأنه أشد هولاً إذ يأتي في المرتبة الثانية بعد الحرب الأهلية لجهة آثاره الخطيرة في البلاد والعالم. وشكّل أصعب وأطول فترة من البطالة والفقر تمر بها الدول الصناعية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت أسواقها مكان الإنطلاق وأول ضحايا الأزمة ، وتم التأريخ لها بانهيار بورصة نيويورك في وول ستريت يوم 24 أكتوبر عام 1929م الذي أطلق عليه "الخميس الأسود" ، وتبعه "الثلاثاء الأسود" يوم 29 أكتوبر من نفس السنة ، وحدث ذلك بسبب طرح 13 مليون سهمًا للبيع لكنها لم تجد مشترين لتفقد قيمتها.
هذا وتعود فصول قصة الكساد الكبير الى عام 1925م عندما بدأت أسواق الأسهم في الولايات المتحدة بالارتفاع الكبير حتى بلغت قمّتها في عام 1929م ، وشجّعت الارتفاعات الكبيرة والمتلاحقة عامة الشعب في الدخول إلى البورصات وشراء الأسهم طمعًا في تحقيق أرباحًا طائلة. وفي 24 اكتوبر كان بداية الانخفاض الحاد في أسواق الأسهم الأمريكية بعدها استقرت الأسواق لعدة أيام ، ليأتي التاسع والعشرين من اكتوبر بموجة قوية من البيع المتسارع وأقبل الجميع على بيع كل شيء، دون أن يجدوا من يرغب في شراءها .
واختلف الاقتصاديون كثيرًا في مسببات الأزمة ، لكن جوهر مشكلة الكساد يعود لفترة العشرينات من القرن الماضي ، إذ صاحبها:
١- تفاوت هائل بين القدرة الإنتاجية للاقتصاد المحلي وقدرة الناس على الاستهلاك ، فالتطورات في تقنيات الإنتاج أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى ارتفعت بشكل كبير في الولايات المتحدة مما زاد من حجم إنتاج المصانع بشكل أكبر بكثير من احتياجات الناس مما تسبب في تكدس الإنتاج السلعي. ٢- الخلل الكبير في توزيع الثروة بين طبقات المجتمع ، فإن زيادة ثروات الطبقة الثرية وإدخارات الطبقة المتوسطة بشكل كبير أدى إلى اتجاه هذه الثروات والمدخرات إلى المضاربات المحمومة في أسواق الأسهم أو العقارات في ظل أوعية استثمارية محدودة.
٣- عدم تنويع الأنشطة الاقتصادية داخل المجتمع ، فقد كانت الصناعتين الأساسيتين في الولايات المتحدة في ذلك الوقت هما صناعة السيارات وصناعة الصلب ، ولم يكن هناك تركيز على الصناعات الزراعية وغيرها من الصناعات الأخرى .
هذا وصنّفت أزمة الكساد الكبير بأنه أكبر وأهم فترة تدهور اقتصادي عرفها التاريخ الحديث ، وتعتبر في القرن الحالي مؤشرًا لقياس العمق الذي يمكن أن يهوي إليه الاقتصاد العالمي. ومن آثارها:
١- إعلان عشرات المؤسسات المالية إفلاسها وإغلاق العديد من المصانع وكثرت أعداد العاطلين عن العمل وتوقف الإنتاج ، وانتقلت الأزمة كالنار في الهشيم إلى جميع الأسواق العالمية.
٢- خسر مؤشر داو جونز المنهار 22.6% من قيمته يوم 24 أكتوبر، كما بلغت الخسائر الإجمالية بين 22 أكتوبر و13 نوفمبر ثلاثين مليار دولار بمعدل يفوق الميزانية الاتحادية عشر مرات ، ويتجاوز النفقات الأميركية في الحرب العالمية الأولى ، ولم يحِل عام 1932م حتى كان مؤشر داو جونز قد فقد 89% من قيمته.
٣- قيام أصحاب المصارف بالولايات المتحدة إلى اتخاذ إجراءات لمواجهة الأزمة ، فقاموا باسترجاع كميات كبيرة من المال من مصارف في ألمانيا وفرنسا وإنجلترا ، وهي دول تضررت كثيرًا بتداعيات الأزمة.
٤- ارتفع معدل البطالة في الولايات المتحدة إلى 25٪ و في بعض البلدان ارتفع بما يصل الى 33٪ . وأصبح الكثير من الأفراد والأسر بلا مأوى وأخذوا يجوبون المدن والولايات الأمريكية باحثين عن العمل وعن الطعام والكساء والمآوى ، وأصبحت طوابير الطعام مشهدًا مألوفًا في المدن الامريكية .
٥- انخفاض الدخل الشخصي وإيرادات الضرائب والأرباح والأسعار وأرباح المؤسسات والشركات ، بينما انخفضت التجارة الدولية بنسبة تزيد عن 50٪ .
وانعكست الآثار المدمرة في كل من الدول المتقدمة والنامية ، كما شلّت صناعة البناء وتوقفت في مختلف دول العالم وانخفضت أسعار المحاصيل بنسبة 40% إلى 60% ، وكانت صناعات المواد الأولية الأكثر تضررًا في العالم.
وإذا نظرنا إلى كيفية مواجهة الدول لهذه الأزمة نجد أن اليابان هي أول من سعت لمواجهتها بالتوسع في التمويل بالعجز ، أو زيادة النفقات العامة بأعلى من مصادر الإيرادات ، وقامت بتخفيض سعر عملتها بما زاد من تنافسية اقتصادها. وبحلول عام 1931م لم تفقد اليابان سوى 8% من حجم اقتصادها ، ووجهت الأموال إلى صناعة الذخائر والأسلحة لقواتها المسلحة ، ومع عام 1933م كانت اليابان خارج أزمة الكساد.
يمكن القول أن هذه الأزمة أحدثت تغيير جوهري في الفكر الاقتصادي الحاكم أدى إلى إعادة النظر بسياسات آدم سميث الداعية إلى عدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي (مبدأ اليد الخفية) ، وبداية عهد تطبيق نظرية كينز التي تسمح للحكومة بالتدخل في النشاط الاقتصادي ولكن بشكل محدود من خلال السياسات المالية والنقدية . وظل هذا الأمر بعضًا من الوقت ولا زالت بعض الدول متمسكة به الى الآن.
أي أن الغلبة كانت لفكر مؤمن بآليات توازن الاقتصاد دون تدخل اليد الخفية.


منى بنت عبدالعزيز الوشيقري
قائدة الفريق العلمي
Twitter: @Mona__36
المراجع:
الأزمة المالية العالمية والنفط ، جاسم السعدون.
مركز دراسات الوحدة العربية.
Comments