سنغافورة والنهوض الاقتصادي
- منى الوشيقري
- Feb 26, 2017
- 3 min read

قد يظن البعض أن الشعوب وحدها تصنع تاريخ الدول ، وقد يظن البعض الآخر أن اسم البلد يوضع على خريطة العالم الاقتصادية منذ اللحظة الأولى لولادته. فلطالما ولدت دول دون أن تؤثر على الاقتصاد العالمي بشعرة! ولطالما صنع فرد واحد تاريخ شعب ودولة معًا. هذا الفرد بالنسبة لسنغافورة هو "لي كوان يو" الذي ارتبط اسمه بمؤسس سنغافورة الحديثة وقائد التنمية الاقتصادية في بلاده.
شهدت سنغافورة تحولًا هائلًا في أقل من ٥٠ عامًا من جزيرة فقيرة معدومة الموارد الطبيعية تقطنها غالبية أمية إلى بلدٍ تضاهي مستويات معيشة أبنائه معيشة نظيراتها في الدول الصناعية الكبرى الأكثر تطورًا.
في عام ١٩٦٥م قرّرت ماليزيا التخلي عن سنغافورة التي كانت حينها جزءًا منها ، موجّهة صفعة للبلد الصغير والفقير خصوصًا في المياه ، حيث كانت ماليزيا تشكّل المصدر الوحيد للمياه للسنغافوريين وانتشرت المظاهرات والجرائم وأصبحت سنغافورة واحدة من أخطر بقع العالم.
ومع بداية استقلالها ركزت سنغافورة على التعليم الذي يعتبر من أهم الأسلحة التي ساعدتها على التقدم الاقتصادي ، حيث اعتمدت سياسة الاستثمار في الإنسان من خلال التعليم وتكثيف البعثات العلمية وتطوير المستوى الإنساني والصناعي بمجمله ، ما أدى إلى قيام الحكومة بابتكار وتطوير واحد من أفضل نظم التعليم عالميًا. حيث قام هذا النظام التعليمي على أساس "الأهلية والأستحقاق" ؛ فبعد ست سنوات من التعليم الإبتدائي يتقدم الطلبة لاختبارات تحدد قدراتهم ومن ثم يتم إرسالهم إلى مدارس ثانوية تتناسب مع قدراتهم الذهنية ، فالأقدر بينهم يتوجهون إلى أفضل المدارس الثانوية وهكذا كلما تراجعت قدرات الطفل كلما كان مستوى المدرسة الثانوية التي يلتحق بها أقل من حيث الجودة. أما الطلبة الذين لم يثبتوا جدارتهم فإنهم يذهبون إلى مدارس تجارية تعدهم للعمل. وبذلك تُعد قصة نظام التعليم في سنغافورة قصة تطور ناجحة جدًا حيث رأت منذ البداية في التعليم حجر الأساس لبناء الأمة والاقتصاد الوطني. فجعلت منه وقودًا يغذي رأس المال البشري لدفع عجلة النمو الاقتصادي.
اليوم وبعد مضي ٥٠ عامًا على الاستقلال تعتبر سنغافورة أحد أغنى دول العالم على الإطلاق ، وتحتل المركز الرابع من ناحية أفضل الدول مركزًا ماليًا بعد هونج كونج وكوريا الجنوبية وتايوان. ويعتبر دخل الفرد السنغافوري أحد أعلى الدخول في العالم حيث ارتفع دخل الفرد السنوي من ١٠٠٠ دولار إلى أكثر من ٣٠٠٠٠ دولار في بداية الألفية الثالثة ، وتتمتع بمرتبة مرموقة في مستوى المعيشة ، الاقتصاد ، التكنولوجيا والأمان.
أشار تقرير نُشر على موقع "سي إن إن ترافل" إلى بعض الجوانب التي تتميز بها سنغافورة عن باقي دول العالم:
١- ارتفاع عدد الأثرياء ، إذ تعد من أكثر الدول التي تضم عددًا كبيرًا من الأثرياء ، إلى جانب أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي هو من بين أعلى الدول في العالم حيث يتجاوز ٦١.٥ ألف دولار، كما تنعم بمعدل ضرائب منخفض مما يساعد على تراكم الثروات فضلًا عن انخفاض معدل الجريمة والتلوث ، لذا فإنها تعتبر ملاذًا آمنًا للأثرياء.
٢- معدل البطالة في سنغافورة من أشد معدلات البطالة انخفاضًا حيث يبلغ ٢٪ ، وأظهر تقرير لصندوق النقد الدولي أن سنغافورة تتقدم على أغنى دول العالم بمن فيها الدول النفطية والأوروبية والأمريكية.
٣- يعتبر الاقتصاد السنغافوري بيئة مفتوحة للأعمال التجارية وتتميز معاملاتها بالشفافية واستقرار الأسعار. وتعتبر المركز المالي والتكنولوجي الأول في المنطقة.
٤- حازت على المرتبة الخامسة في التصنيف العالمي لمؤشر الفساد الإداري المنخفض لعام ٢٠١٣ م ، ما يدل على ضعف درجة الفساد الإداري في البلاد.
٥- تعتبر من أهم مراكز العلاج في العالم ، وتشتهر بجودة الرعاية الصحية وتعتبر وجهة للسياحة العلاجية.
٦- ارتفاع مستوى المعيشة والرعاية الاجتماعية.
٧- تعد السياحة صناعة رئيسية ، فهي ثالث أكبر مصدر للعملة الأجنبية في سنغافورة.
٨- النظافة والأناقة الشديدة ، وذلك بفضل القوانين الصارمة التي تتعلق بإلقاء النفايات والكتابة على الجدران إلى جانب حظر البصق في الشوارع.
منى بنت عبدالعزيز الوشيقري
قائدة الفريق العلمي
Twitter: @Mona__36
المراجع:
* لي كوان يو رئيس وزراء سنغافورة الأسبق من العالم الثالث إلى الأول. الطبعة الثانية، قصة سنغافورة من 1965-2000م.
Comentários